السبت، 14 يونيو 2014

هذه أمّي .. قصّة


قصة أم لطالما سمعتها من جدتي رحمها الله ورحم أموات المسلمين أجمعين

قد تكون هذه القصة لم تحدُث فعلاً أو فيها من المبالغة ما فيها ... لكنّها تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني أرجو أن تنال إعجابكم ...




كان شيخاً كريماً حازماً فارساً وعادلاً له هيبةٌ ومكانةٌ بين الشيوخ ، باراً بوالدته التي ترمّلت في شبابها ورفضت الزواج رغم كثرة من طلب يدها وهي بنت الحسب والنسب ذات الحُسن والجمال.
لم ترضى أمّه أن تتزوج حتى لا تضيع شيخةُ ولدها .. فأفنت عمرها تُربيه وترعاه وكانت لهُ أماً وأباً وأخاً تعطف عليه تارةً وتقسو عليه تارةً أخرى وإذا جلس وحيداً شغلته بالحديث والحاكايا التي لا تخلو من الحكم والعبر .. فلمّا شبّ ولدها واستلم الشيخة عرفه أهل البادية وعلموا أنّ أمّه ما أضاعت شبابها هباءاً .


كبرَ الإبنُ وتربّعَ في وسط القبيلة وكانت دلالُ القهوةِ ونارُه عامرةً لأبناء قبيلته ولعابري السبيل والمحتاجين وجمع في قلبه وعقله كلّ صفات الكرم والحكمة والشهامة حتّى ذاع صيتُه في البادية وعرفه القاصي والداني . كانت نظرةٌ منه تكفي لمن حوله ليعلموا ماذا يريد ومتى يتحدثون ومتى يصمتون .



أتمّ عقدَهُ الثالث ولم يتزوّج بعد ، رغم اصرار أمّه عليه وحثها له على الزواج ... هو لم يكن يفكّر بالزواج وقتها بل كان يؤخره لأنّه يريد أن يبرّ بأمّه ...  فكما أفنت عمرها له أراد أن يقضي عمره بجانبها ولا يبتعد عنها أبداً ....

الأم وهي التي تعلم ولدها حق العلم عرفت سبب عزوفه عن الزواج فأقسمت عليه أن يتزوّج وأن يُرضيها ما دامت على قيد الحياة فهي تُريد أن ترعى أحفادها بنفسها . وهو شيخ القبيلة وشيخٌ تهابه الشيوخ والقبائل فكيف لا يكون عنده زوجةٌ ولا أبناء .. لم تتركه أمّه تلك المرة يهرب من طلبها فهددته بغضبها عليه وبكت حتى طلب منها أن تبحث له عن زوجة .. وذلك ما حصل فلم تلبث مدة إلا وقد زوجته من بنات قبيلته فتاةً كانت تحبها كثيراً وارتأت أنها من تصلح لأن تكون زوجة الشيخ وأم أولاده.

وما إن مضت الأيام والأشهر بدأت معاملة زوجة الشيخ تتغيّر مع أمّه وبدا عدم احترامها لها وزاد ذلك بعد أن أصبحت تحمل طفلاً  في بطنها .. ولم تُبد الأم ذلك بل عاملت زوجة ابنها كابنةٍ لها فأصبحت تقوم هي بما يترتب على زوجة الشيخ القيام به من استقبالٍ للضيوف والاهتمام بهم وأمورٍ أخرى .

لاحظ الإبن قلّة حركة زوجته في غيابه ونشاطها حين يعود لبيته فأمّه من كانت ترعى البيت إلا عند عودته تقوم زوجته بالعمل . فإن طلب الشيخ طعاماً وهمّت أمّه لتحضره فزّت الزوجة وقالت : دونك يا عمّة أن أحضره . فتقول الأم : لا يا بنيّتي ارتاحي أنتي من أجل ولدكِ ولا تتعبي نفسك . غضب الشيخ لذلك وبدأ يشعر بالألم لأمّه وهي لا تشكو ولا تُظهر تذمراً أبداً ولا تُلمّح بشيء فكتم غضبه حتى بدأت أمّه تطلب منه أن يبني لها بيتاً بالقرب من بيته .. فغضب واستنكر ذلك ورفض بشدة .. وظلّت تسأله ذلك وأن هذه رغبتها وأنّها تريد ذلك وليس لزوجة ابنها سببٌ في طلبها بل أنّها تريدُ أن يكون لابنها الشيخ بيتان فيكون البيت التي هي فيه هو بيت الضيافة وبيت الزوجة للراحة .

ولم تنفك أمّ الشيخ تطلب ذلك حتى رضي ابنها ولكن على مضض . فقال لها : لك ما تريدين يا أمي ، ولكن إن أحضرتُ عندكِ ضيفاً يوماً فلا تسأليني عن مدة ضيافته ولا تجزعي منه وأحسني رعايته .. فإن وعدتني بذلك بنيت البيت بالحال . فوعدته أمّه بذلك رغم عدم فهمها لمقصده وأقسمت أن تلبي طلبه حتى تمّ الأمر وبُني البيت واستقلّت زوجة الشيخ وفرحت ببيتها .



كانت الأم تأتي لبيت ابنها دائماً لتطمئنّ على زوجته وتساعدها ، لكنّ الزوجة لم تقم بزيارة بيت الأم ولو مرّة واحدة بحجّة تعبها وحملها وهي التي تزور بيت أهلها وهو أبعد مسافةً وأشقّ طريقاً وكانت دائماً ما تتفاخر أمام بنات القبيلة أنّها زوجة الشيخ ولم تعطي أمّ الشيخ أبسط حقوقها عليها .. كلُّ ذلك والشيخ لا يتصرف بشيءٍ حتّى جاء يوم ولادة زوجته ووضعت صبياً ففرح أهل القبيلة وأولم الشيخ فرحاً بقدومه .. فإذا طلع اليوم التالي فزعَ أهلُ القبيلة على صياح زوجة الشيخ واجتمعوا لبيت الشيخ وإذا بزوجته تبكي وتصرخ : ولدي ولدي .. أين ولدي ... من أخذ ولدي ...

كان الشيخ قد اتّفق مع أحد اصحابه أن يسرق ولده من زوجته ويُعطيه لصاحبه حتى يُخفيه عن الأنظار في بيته .. وهذا ما تم رغم أنّ صاحبه لم يفهم السبب لكنه لا يعصي للشيخ أمراً . وبعد أن قامت زوجة الشيخ من نومها ولم تجد ولدها عندها .. فُجعت وذُهل الجميع بالحدث ونظروا للشيخ لعلّ عنده خبراً أو تفسيراً .. ولكنه أظهرَ الدهشة مثلهم فأمر أمّه والنساء أن يدخلن زوجته لبيتها وطلب منها أن تهدأ ... وقام بالالتفاف حول بيته ويتفحص المكان ليجد أثراً أو شيئاً يدل على خبر. فأمر بعضاً من رجال القبيلة أن يبحثوا بالقبيلة وأخذ معه مجموعة من الفرسان ليبحثوا خارج الديرة .

كان جميع من خرج مشدوداً متأهباً قلقاً باستثناء الشيخ وصاحبه فلم يكونا يبحثان بلهفة أو قلق فتعجب منهما باقي الرجال .. فعرف الشيخ تعجّبهم في نظراتهم فالتفت لهم وقال بابتسامةٍ خفيفة : دعونا نرتاح ثم نكمل مشوارنا بالصيد ... والجميع ينظر للشيخ بذهول ... ماذا يا شيخ ؟؟؟ الصيد وماذا عن ابنك ؟؟؟ قال : هو بخير ، أنا أعلم مكانه .. ماذا يا شيخ ؟؟؟ أين هو ؟؟ وفيمَ خروجنا ؟؟
قال : هو في بيتٍ آمن ؟ قد أخفيته عن أمّه فأنا لا أريدها أن تراه ... ولكن احذروا أن يعلم أحد ..
ولمَ يا شيخنا ؟؟
قال لهم : أمرٌ من شأني فاكتموا ما علمتم . ولا ينطق أحدكم بشيء حتى إذا عدنا نقول لم نجد شيئاً .

وبالفعل غاب الشيخ ومن معه أياماً ثمّ عادوا وأبناء القبيلة تنتظر فأخبروهم أنّهم لم يجدوا شيئاً .. وأمر بعضاً من قومه أن يذهبوا للصيد أياماً أخرى وكأنّهم يبحثون عن ابن الشيخ . وما أن انفضّ الجميع ذهب مع صاحبه الذي يخفي ولده فأمره أن يذهب بولده ويلاقيه عند بيت أم الشيخ ، وعند وصولهما ... ذهلت أم الشيخ وعرفت أن هذا حفيدها فأمالت رأسها ونظرت لولدها نظرةً صامتة تنتظر أن يخبرها بالقصة . فقال : اسمعي يا أمّاه قد وعدتني إن أحضرت لك ضيفاُ أن لا تجزعي منه وتتحمليه فهذا ضيفك .. وفي عهدتك إلى أن أنظر في أمره ..
رفضت أمّه : كيف يا ولدي .. ما الذي تفعله ؟ وأمّه ؟؟ ماذا تفعل ؟؟
لن أعمل بما تقول بل سأعيده لأمه الساعة .
غضب الشيخ وقال لأمه : إن أردتي أن أقطع رأسه أمامك فاخرجي به من البيت .. والله لا تراه أمّه إلا في بيتك هذا إن زارتك ولا تحدثيني بغير هذا أو آخذه وأخفيه عند غيرك .
عبثاً حاولت أم الشيخ ثني ابنها عمّا يفعل وأخفت حفيدها في بيتها وجعل الشيخ زوجة صاحبه تعين أمّه على رعاية ولده بسرية عن أهل الديرة ...


زوجة الشيخ الأم الثكلى لا زالت بلباسها الأسود تلطم وتنوح في كل ساعةٍ منذ الصباح حتى المغيب وهي تولول وتنتظر قدوم أحدٍ بخبرٍ أو بولدها الذي لم تفرح به سويعاتٍ قليلة .. وكانت تزيد من شدة عويلها كلّما جاء قومٌ لا يحملون لها خبراً .



دارت الأيام ومضى عامٌ ولم تنفك زوجة الشيخ تخلع رداء الحزن وتبكي ولدها ... حتى جلست في يومٍ مع الشيخ وبادلته الحديث ، ثمّ أخبرته أنّها تريد أن تزور أم الشيخ فقد مرّ وقتٌ منذ أن رأتها آخر مرة .. فرح الشيخ بذلك ثمّ بكل حزمٍ وثقة قام وقال لها : نذهب سوياً .. وبالفعل ذهبا إلى بيت أمّه ...
كانت زوجة الشيخ تمشي وعينيها على الأرض وما أن وصلت زوجة الشيخ وسمعت صوت طفلٍ في بيتها حتى خفق قلبها بما لم تعهد من قبل وعرفت أنّ ابنها في الداخل ... فنظرت لأم الشيخ نظرة غاضبة حائرة وأم الشيخ تنظر ُ لها تارةً بنوعٍ من الخجل ونظرةٍ أخرى لولدها وكأنّها تقول أنّ الشيخ من فعل ذلك وأخفى ولدك عنك .ثمّ نظرت زوجة الشيخ لزوجها فهزّ رأسه لها وأشار بعينيه أن تدخل وتذهب لولدها بالداخل دون أن يرفّ لهُ جفن .... هرولت الزوجة كالمجنونة .. وحملت طفلها وأجهشت بالبكاء والضحك .
أم الشيخ كانت تريد أن تلحق بها فاستوقفها الشيخ وتقدّم عندها ووضع يداه على كتفيها وقال .. دعينا نجلس واتركيها لشأنها .
جلسا في مجلس البيت وأم الشيخ يبدو عليها الإرتباك فنظر اليها ولدها وقال .. اجلسي يا أمي حتى تاتيك هُنا ويقصد عن زوجته .. وبعد مدة من الوقت حملت زوجة الشيخ طفلها ودخلت على زوجها وأمه .. امتزج فيها شعور الغضب والفرح والحيرة فلم تنطق إلا بكلمةٍ واحدة : لماذا !؟؟

الشيخ : أو تعلمين أنك لو لم تأتِ اليوم هُنا لما حملتِ ابنك كما تحمليه الآن وبقي عند أمّي إلى أن تأتي من طوعك ....
هزّت زوجة الشيخ رأسها يُمنةً ويساراً ونظرت لزوجها وأمّه تنتظر تفسيراً لما يقول ..
همّت أم الشيخ تُريدُ أن تعتذر لكنه قاطعها ووجّه نظرَه لزوجتِه وولدِه وقال : هذا ولدُك .... لم تُرضعيه إلا ليلةً واحدةً فقط ... وبكيتِه عاماً وغارت عيناكِ ولو كان غير ذلك لبكيتِه طوال عمرك .
ثمّ وجّه نظرَه لأمّه ثمّ لزوجته : فكيف إن أرضعته حولين وسهرتِ عليه الليالي وتعبتِ في تربيته وتركتِ ما تحتاجين حتى تُعطيه أكثرَ ممّا يحتاج وأعطيته وقتَكِ وقلبَكِ . حتّى إذا شبّ أمام عينيك أخذته امرأةً غيرُك تختارينها أنتِ دون غيرها وتخطفه من بين يديك ولا تُقدّرُ معناهُ عندَك ... فتتحملين الألم كل يوم ولا تُبدين شيئاً وأنت تعتصرين حتى تحافظين على بيت ابنك.... أنا ابن أمّي وهذا ابنك فأحسني تربيته حتى لا يهجُرك ...

أجهشت الزوجة بالبكاء ثمّ أعطت طفلها لزوجها وانحنت عند يدا أمّ الشيخ تُقبلهما وهي تبكي : قد فهمت .. قد فهمت ...
وأم الشيخ تقول : سامحيني يا بنيّتي والله لم أرد هذا ... وهي تُقبّل رأسها .
الزوجة : انتي سامحيني يا عمّتي أرجوك سامحيني .

بعد هذه القصة اضع بين أيديكم هذه الأبيات من قصيدة تتحدّث عن الأم أيضاً

*************

بعد هذه القصة أضع بين أيديكم هذه الأبيات من قصيدة تتحدّث عن الأم أيضاً 

أمي اليا شافت زولي تهلـــي . . . . . أما الغضي وان شاف زولـــــــــي تحلاه
أمي مالهـا عن شمسي وظلي . . . . . ظل الغضي وان دور الظل يلقـــــــــــاه
أمي سنتين وهو ديدها سقوةٍ لي . . . . . واركب على المتن واصيح يمَّـــــــــاه


 للإنتقال للقصة الأخرى أنقُر هُنا قصّة :أمّي لا شافت زولي تهلي




0 التعليقات:

إرسال تعليق