السبت، 28 يوليو 2012

ما بين فتح عمورية ومجازر أركان - المعتصم وحقوق الإنسان



بعد الصافرة التي أطلقها الشعب التونسي على نظامه أثر صفعة " محمد بوعزيزي " في تونس وبالتزامن مع الثورات العربية وربيعها وخريف حكامها والفتن الظاهرة والباطنة، وفيما ننظر بعينٍ خجلةٍ شاحبة على أحداث أرَكان التي تشهد تصفية عرقية لإبادة المسلمين يتجنّبها الإعلام ولا يتطرّق لها ونحن نشتغل بأنفسنا. حريٌ بنا أن نستعلم عن أركان وأن نستذكر عهد الخلافة العباسية والخليفة المعتصم .


نبذة عن أركان ...


تقع مملكة أركان التي احتلتها بورما البوذية وصيرتها إقليماً من أقاليمها في جنوب شرق آسيا، تحدها من الشمال الصين ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند ومن الشرق لاوس ومن الغرب بنغلاديش. وصل الإسلام إلى أركان في القرن الثاني الهجري عام 172هـ الموافق عام 788م عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة (أركان) في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد «رحمه الله».

وأقيمت في (أركان) سلطنات إسلامية كثيرة، وفي عام 1430م قامت مملكة إسلامية على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت إلى عام 1784م، أي قرابة ثلاثة قرون ونصف، تتابع على حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه، وكانوا يكتبون على العملات كلمة التوحيد وأسماء الخلفاء الأربعة باللغة العربية .


خارطة بورما " ميانمار " وأركان




وفي عام 1784م احتل الملك البوذي مملكة أركان وضمها إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعندها بدأت معاناة المسلمين هناك، وضاعت فصولها وسط جراحات الأمّة المتتالية.
ولم تكن هذه الأزمة وليدة الليلة ومع ذلك غابت قضية هؤلاء المسلمين الذين باتوا فريسةً للفقر والحرمان وحملات القمع والتهجير من قبل حكومة بورما التي تمارس أبشع صور الاضطهاد الديني والعرقي ضد المسلمين الأركانيين حيث ألغت الحكومة جنسية المسلمين الروهنجا في أركان ظلماً وعدواناً بموجب قانون المواطنة والجنسية الذي وضع عام 1982م. ليتم تهجيرهم وطردهم من أراضيهم وهو ما حصل بعد ذلك، ولا يزال التهجير مستمراً حتى اللحظة، وحرمت المسلمين أيضاً من حرية السفر والتنقل داخل البلد وخارجه.
وقامت باعتقالهم وتعذيبهم كما أجبرت الحكومة البوذية المسلمين على القيام بأعمال السخرة دون أجر كتعبيد الطرق وحفر الخنادق في المناطق الجبلية البورمية والخدمة في معسكرات الاحتلال، بالإضافة إلى مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية.
ونهب أموالهم، ومنعهم من الاستيراد والتصدير أو ممارسة الأعمال التجارية.

ووضع العقبات أمام دراسة أبناء المسلمين علوم الشريعة ومنعهم من الزواج وتحديد النسل إلى ما هنالك من سياسات ممنهجة تحتاج إلى مؤلفات لتوضيح أبعادها السياسية والإنسانية.



صورة للمسلمين النازحين من أركان / بورما


خلال الأسابيع الماضية تجدد بطش البوذيين بالمسلمين حيث تعرض عشرة من دعاة المسلمين الأركانيين إلى مذبحة شنيعة قضوا نحبهم فيها بعد أن هوجموا من قبل جماعة بوذية فتكوا بهم جميعاً ومثلّوا بحثثهم، وقد نقلت وسائل الإعلام صوراً فظيعة لضحايا هذه المجزرة التي لم تجد من ينتصر لها من قبل الحكومة الميانمارية التي غضت الطرف عنها وكأنها على اتفاق مع المجرمين القتلة، ولم تقف الأمور عند هذه المجزرة فحسب بل تعدتها إلى حرق منازل ومزارع عدد كبير من المسلمين وقتل العشرات بالنيران كل ذلك بمعاونة رجال الشرطة مع الطغمة البوذية الحاقدة على المسلمين، وتم فرض حظر التجول على القرى التي تقطنها الأقلية المسلمة، وبعدها قامت الجماعات البوذية بتغطية من الحكومة الميانمارية بحملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها ألفا مسلم وحرقوا قرابة ألفين وستمائة منزل من منازل المسلمين، وبلغ عدد النازحين أكثر من تسعين ألف نازح يعيشون في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء بعد أن رفضت دول الجوار استقبالهم، فمات من مات منهم؛ ومن عاش فإنه يعاني السقم والضياع والشتات .



صورة للمجازر التي حدثت لمسلمي بورما



فتح عمورية وفتنة بابك الخرمي ...

في عهد الخلافة العباسية وقعت فتنةٌ شديدة كادت أن تودي بالخلافة الإسلامية ، كانت هذه الفتنة من أشد الفتن فقد شغلت الخلافة العباسية أكثر من عشرين سنة وقُتل من أجلها حوالي مائتين وخمسين ألف مسلم كما قدّر عددهم المؤرّخ الطبري .  وقد قاد هذه الفتنة زعيمُ طائفةٍ ضالة يُدعى بابك الخُرمي حيث بدأت الفتنة في أذربيجان ثمّ اتسع نطاقها إلى همدان وأصبهان وبلاد الأكراد وجرجان .

وأصبحت هذه الفتنة خطراً كبيراً يحدّق بالدولة العباسية ووجدت عوناً ومساندةً من الروم ، وقد حاول الخليفة المأمون أن يقضي عليها فأرسل لها الحملات العسكرية محاولاً اخمادها وقمعها لكنه لم يتمكن من ذلك؛ وبهذا كانت وصيّة المأمون لأخيه المعتصم أن يقضي على فتنة بابك الخرمي ويقضي على حركته.

حمل المعتصم مهمّة القضاء على هذه الحركة فنجح في ذلك رغم مهارات بابك الخرمي  العسكرية ، وامتدت الحرب أربع سنواتٍ حتى تمكن "الأفشين" أبرع قادة المعتصم من إخماد الفتنة، والقبض على بابك الخرمي في (10 من شوال 222هـ= 16 من سبتمبر 837م).

استغل الروم هذه الفتنة وانشغال الخليفة المعتصم في القضاء عليها بعد أن اتّصل بابك الخرمي ومن معه من قادة حركته بإمبراطور الروم يطلبونه مهاجمة الخلافة الإسلامية العباسية وكان مما قالوا له : " إنَّ المعتصم لم يُبْقِ على بابه أحدٌ، فإنْ أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحدٌ يمنعك " . استجاب ملك الروم " توفيل ميخائيل " لطلب بابك الخرمي ، وجهَّز جيشاً ضخماً بلغ أكثر من  مائة ألف جندي، وسار به إلى بلاد الإسلام ، فهاجم المدن والقرى يقتل ويأسر ويمثِّل ، ودخل مدينة " زِبَطْرة " التي تقع على الثغور وقتل من بداخل حصونها من الرجال، وانتقل إلى مدينة " ملطية " المجاورة فأغار عليها وعلى العديد من الحصون ، وقتل الكثير من أهلها، وأسر نساءها المسلمات، حتى إنَّ عددهن بلغ ألف امرأة، وكان يمثِّل بالمسلمين فيقطع آذانهم وأُنوفهم، ويَسْمِلُ أعينهم.

وصلت هذه الأنباء المروعة إلى أسماع الخليفة المعتصم ، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل ، كما أنَّ المسلمين جميعًا في سائر الأمصار ضجُّوا واستغاثوا في المساجد والديار، ودخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، فأنشده -قائماً- قصيدةً طويلة يذكر فيها ما نزل بالمسلمين، ويحضُّه على الانتصار، ويحثُّه على الجهاد، ومنها ما قال :

يا غارة الله قد عاينت فانتهكـي *** هتك النساء وما فيهن يرتكـب

هبَّ الرجال على أجرامها قُتلت *** ما بال أطفالها بالذبـح تنتهـب

ويذكر بعض الرواة أن أحد الهاربين قال للمعتصم : " يا أمير المؤمنين  كنت بعمورية فرأيت بسوقها امرأةً عربية مهيبة جليلة تساوم رومياً في سلعة وحاول أن يتغفّلها ففوّتت عليه غرضه , فأغلظ لها , فردت عدوانه بمثله , فلطمها على وجهها لطمةً فصاحت في لهفة
ـــ    واااااااااامعتصماه      ـــ    فقال الرومي : وماذا يقدر عليه المعتصم وأنّى له بي ؟
وما أن سمع المعتصم بهذا الحديث ، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه ، فوضعه وأمر بأن يستعد الجيش لمحاصرة عمورية فمضى إليها فلما استعصت عليه قال : اجعلو النار في المجانيق وارمو الحصون رميا متتابعا ففعلوا فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها :
هل أجابك المعتصم
 قالت نعم .
فلما استقدم الرجل قالت له : هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك
قال المعتصم : قولي فيه قولك .
قالت : أعز الله ملك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرت لي . بحسبي من الفخر  أنك انتصرت فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له .
فأعجب المعتصم بمقالها وقال لها : لأنت جديرة حقا بأن حاربت الروم ثأر لك . ولتعلم الروم أننا نعفو حينما نقدر .

لقد صدقت يا أبا تمام حين قلت :

             
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ   في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ


وهذا من ما نظمه أبو تمام أيضاً في بائيته الخالدة مادحاً للخليفة بعدما حقق النصر :


لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ  كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
عداك حرُّ الثغورِ المستضامة ِ عنْ  بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً  وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ


أما نحن فعلينا أن نقرأ ما قاله الشاعر عمر أبو ريشة فهو يحاكي زماننا وواقعنا وأرحم بنا من النظر إلى ما لم يبقى مثله تاريخاً وواقعاً :

أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
أين دنياك التي أوحت إلى *** وترى كل يتيم النغم ؟
كم تخطيت على أصدائه *** ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب *** مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية *** خنقت نجوى علاك في فمي
ألإسرائيل تعلو راية *** في حمى المهد وظل الحرم ؟
كيف أغضيت على الذل ولم *** ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى *** موجة من لهب أو دم ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي *** وانظري دم اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها *** تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته *** لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما *** كان في الحكم عبيد الدرهم
                                                                                       الشاعر عمر أبو ريشة









0 التعليقات:

إرسال تعليق